الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009

ام الناس




يا بائعةُ الكسرةِ

أهواكْ

ألقاكْ

الشاشُ الأبيضُ بين يديكِ غمام

نامتْ لفائفُك الغنّاء

يا سمراء ..

أشتمُ سماحتك الخضراء

وترحاب الاتقان

رضا جمالك يضحك

لا غيرة من أترابك

الايثارُ الغادي

رزقُ اللهِ تقسّم في أصحابك

كدحٌ شاكرْ

أهواكِ

أصابعُ صبركِ ، والعملُ الموصولُ

الجيّد لبّ نقائك

ورزانتك الشّماء

الفقر تجمّل سِمةٌ من كبرٍ وحنان
ْ
بصّرني معناك

يشفيني من سخطي

يشكو في السوق

لغير سميعٍ
..
أسمعتِ بذاك البائعِ .. ذاك السارقِ في الديوان ؟

خانِ الميزان
...
أسمعتِ شكايته الحيرى ؟

يا ويلاه إذا شكّ الميزان

كفته تسألني عن توأمِها المفقود

وأرى أطفالك في ذاك البيت الأقصى

ينتظرون الخيرَ العائدَ كُلّ مساءْ

يحبو أطفالُك في بيتٍ يحبو

معراج شعبته في راحات الزُغب

ولثعُ الألسنةِ الأولى
..
ذاك البيتُ الناشيء فوق ركائِزه
!
لا يعنيه نفاقُ مكتحلِ العينين

لا يعنيه لصوصُ الشمسِ

ولؤم السُعرِ

ولا تطفيفُ الكيلِ

وأوزارُ الخرطومِ المفتونةِ

يعنيه الام..تدر الحب العائد كل مساء

اطفالك اطفالي

ابكي في سري بين يديك

ودموعي الوان شتي

زهر يتفتح وجراحات منسية تتذكر

أهواك عزيمتك الغرّاء
ُ
وهذا العملُ الطيبُ منذُ الفجرِ على رأسُكِ

وجلستِ به كالوردةِ ريّا

تومضُ في ظلماءِ السوقِ المستنقع
ِ
تيمّني ثوبُك هذا الأبيض
..
وجهك يسفرُ ، لا كالبدرِ ولا كالشّمس

ولكنْ من إيقانك..

الثوب الابيض درع بلادي

لا الباروكة ولا الفستان العاري

في وجهُك ، هذا الباسمُ .. حزنُ الصبر
ِ
تفاءلْ

ما أجملَ هذا الحزنُ الصابرْ

ما أجملَ هذا العملُ الساهرْ


أقبلتُ إليك أطهِرُ نفسي من أعبائي

أتعلمُ منك الخيرَ الكاسبْ

العفةُ في عينيك
..
الحكمةُ ملء يديك
..
أتعشقُ حسنَكِ والإحسان
ُ
وأضاحكُ فيك عزائي

*****
تحية الخلود في قلوبنا لذلك المبدع الفلتة المعذب الحائر (المنطلق) المجذوب

تعريف صغير بالشاعر

من مواليد العام 1919م، الدامر، نشأ في بيت آل المجذوب المعروف بالصلاح والتقوى والعلم. أصغر من تعلَّم القراءة والكتابة في تاريخ السودان، وكان ذلك وعمره حوالي الثلاث سنوات، حفظ القرآن على يد والده الشيخ. اشتهر وهو صغير بكتابة وعمل الشرافة (ألواح القرآن)، وهو العمل الذي كان يقوم به شيخ الحيران. التحق بكلية غردون التذكارية وهو لم يبلغ بعد السن القانونية للالتحاق بها، وكان ذلك لقدرته غير المحدودة في اللغتين العربية والانجليزية.

فور تخرجه من قسم المحاسبين عام 1936م، تم تعيينه محاسباً لخدمة الدولة. في كلية غردون كان له الفضل في عمل الخلفية المسرحية من خياله الدَّفاق، أراد له والده الشيخ أن يصبح قاضٍ شرعياً، غير أنه سلك طريق العمل الوظيفي، أسس ومعه عشرة من المثقفين (الحزب الجمهوري) مع المرحوم الأستاذ محمود محمد طه، في العام 1949م.

إلى جانب معرفته الجيدة للغة العربية، فهو من أبرع وأشهر من تحدثوا بالانجليزية، صدرت له الدواوين الشعرية التالية: الشرافة والهجرة، نار المجاذيب، البشارة – الخروج – القربان، القسوة في الحليب، أصوات ودخان، منابر، شحاذ في الخرطوم.

بدأ كتابة الشعر وهو في سن الثالثة عشر، ووصل لمرحلة الفرادة والتميز في كل الأعمال التي قام بها في حياته، بدءاً من انضباطه في مواعيد خروجه ودخوله بمواضع عمله وسكناه، ونظمه للشعر، ووفائه لأصدقائه، وإصراره على مواقفه التي كان يقول أنه كان من الممكن أن يموت دونها، ومدَّ يد العون لكل محتاج من معارفه وغيرهم.

التحق بكلية الفنون الجميلة لوقتٍ قصير رغبةً منه في تعلم الرسم الذي أحبه، ولكن انقطع عن الدراسة لانتقاله للعمل بسلك المحاسبين الحكوميين بجنوب السودان.

مثل السودان في عدد من المحافل العربية والعالمية الثقافية بوصفه أميناً لاتحاد أدباء السودان، انضم للندوة الأدبية بأمدرمان، وكان ممثلاً لها في مؤتمر الأدباء العرب بالقاهرة، ومؤتمر بغداد. نال عدد من الجوائز، منها: وسام الحبيب بورقيبة، وجائزة تقديرية من الكويت، وجائزة الدولة التشجيعية والوسام الفضي ووسام الآداب والفنون.

توفي في ظهيرة الثالث من مارس 1982م عن عمر بلغ ثلاثة وستون عاماً.